الماضي.. معلم أم سيد؟

سأحكي لك قصة قد تبدو غريبة، ولكنها ليست كذلك على الإطلاق. وعمري ١٥ عامًا كنت أحيانًا “استعير” سيارة أبي واذهب فيها مع صديقي لحضور الدروس الخصوصية، بالطبع كنا نمشي في الشوارع الجانبية حتى لا تمسك بنا شرطة المرور، وفي أحد الأيام قررنا الخروج لطريق الكورنيش. في هذا اليوم اصطدمت بالرصيف، ولأني كنت “استعرت” السيارة، أصبت بخوف شديد، وأعدتها لمكانها ولحسن الحظ لم يلحظ أحد مكان الاصطدام. 

بعد مرور ١٠ سنوات على الحادث، كنت جالس مع مجموعة من الأصدقاء أحكي لهم الموقف، وكان صديقي الذي كان معي وقتها موجودًا. وأثناء سردي أجد أنه يتذكر الموقف بطريقة مختلفة تمامًا. فهو يعتقد أنها كانت سيارة أبيه هو، وهو الذي كان يقود، والاصطدام نفسه كان في مكان آخر. هو متأكد، وأنا كذلك! 

ربما تجد كيف يتذكر شخصين نفس الحدث بكل هذا الاختلاف في التفاصيل غريبًا، لكن دعني أخبرك أنه يحدث دومًا. وربما يمكنك التأكد من هذا بنفسك عن طريق سؤال من حولك عن بعض ذكرياتكم المشتركة لتجد كيف تختلف رواياتهم وتفاصيلهم ومشاعرهم حتى أثناء حدوث هذه الذكريات. ربما لن تجد بسهولة اختلاط كبير مثل ما حدث في قصتي. لكنك في النهاية ستجد اختلاف كبير في الأحداث نفسها وطريقة استقبالها من شخص لآخر. 

معرفتنا للماضي لا تختلف كثيرًا عن معرفتنا للمستقبل -مشوشة-. لكن المشكلة الكبرى، هي ثقتنا في معرفتنا للماضي، فهو حدث ونحن مررنا به، كيف نكون مخدوعين بهذا القدر؟! لا تكون مغرورًا عزيزي، نحن لا نرى بشكل واضح أغلب الوقت. 

يختلف الناس فيما بينهم عما قالوه أو سمعوه، “أنا قلت هذا”.. “لا لم تقله”.. وأحيانًا يكونا الاثنين مخطئين ولا يوجد فيهم من يتذكر بشكل واضح. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top